أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الإدارة، أخطرت الكونغرس بأنها ستقدم لمصر مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار. في توقيت أثار عدد من التساؤلات حول الصفقة التي قد تكون عقدت خلف الأبواب المغلقة مع الرئيس المصري. في حين أن الأخير الذي يجدد رفضه لفتح الأراضي المصرية أمام النازحين الفلسطينيين “لدوافع تتعلق بالأمن القومي المصري”، إضافة لضرورة الانسحاب الإسرائيلي من محور فيلادلفيا، لم يغير موقفه بعد، بل اتخذت مواقفه منحى تصعيدياً في الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي يجعل من هذه “الهبة” التي تقدم للجيش المصري تحديداً، تأخذ طابعاً آخر.
في شباط/ فبراير الماضي، تزامن الحديث عن قرب عملية عسكرية إسرائيلية في رفح مع ابداء صندوق النقد الدولي استعداده لتأمين قرض تتراوح قيمته ما بين 6 مليارات دولار (5.6 مليار يورو) و12 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري الذي أثقلته الديون فضلاً عن تردي قيمة الجنيه. حينها، أثيرت شكوك حول دور الولايات المتحدة في تأمين موافقة مصرية لعبور الفلسطينيين -وفقاً للخطة الإسرائيلية- إلى الأراضي المصرية، مقابل تسهيل الحصول على القرض.
لم يوافق السيسي حينها على الاغراءات الأميركية. وهذا ما أعطى المحللين إشارة إلى أن المساعدة الحالية التي لا تقدر بـ 1% من المبلغ السابق، قد “تغري” السيسي بتبديل موقفه. في حين أن واشنطن من جهتها، لن تقدم على خطوة كهذه، إذا لم تكن “مضمونة المفاعيل” وتؤمن قدراً من المصالح الأميركية. وهذا ما يجعل الحديث عن نية أميركية في “ترويض السيسي” أمراً منطقياً لتأويل هذه الخطوة، بعد أن ارتفعت سقوف لهجته وزادت رغبته في توطيد العلاقات مع عدد من الأطراف “غير المرغوبين” في الوقت الحالي كتركيا وروسيا. وبالتالي، تؤمن هذه المساعدات ما يجعل من السيسي ملتزماً “بالمربع” المرسوم أميركياً من جهة، وتقيّد الجيش المصري -الذي تموله- من جهة أخرى.
مسؤولون أمريكيون قالوا إنه للمرة الأولى في ظل إدارة جو بايدن، سترسل الولايات المتحدة إلى مصر كامل مخصصاتها البالغة 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية، متنازلة عن متطلبات حقوق الإنسان. وتشير صحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى أن هذا القرار يمثل “تحولاً مذهلاً للإدارة”. وتضيف “جاء الرئيس بايدن إلى منصبه واعداً “بعدم وجود شيكات على بياض” من شأنها أن تمكن مصر من ارتكاب انتهاكات حقوقية، وفي كل من السنوات الثلاث الماضية، حجبت إدارته على الأقل بعض المساعدات التي فرضها الكونغرس على القاهرة، الحليف الوثيق للولايات المتحدة”.
لكن القرار يظهر كيف تغيرت حسابات الإدارة مع إعطاء بايدن الأولوية لمحاولة وقف العنف في غزة، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي حددها لنفسه في الأشهر الأخيرة من ولايته.
يضع القانون الأميركي شروطاً على حوالي ربع المساعدات العسكرية لمصر كل عام. وللإفراج عنها، يجب على وزير الخارجية أن يشهد بأن القاهرة امتثلت لمجموعة من متطلبات حقوق الإنسان.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الوزير أنتوني بلينكن وجد أن مصر لم تستوف سوى جزئياً متطلبات حقوق الإنسان لكنها تجاوزتها واستخدمت تنازلاً مسموحاً به قانوناً “لمصلحة الأمن القومي الأمريكي”.
وقال المتحدث إن قرار بلينكن استند إلى دور مصر المستمر منذ أشهر كوسيط بين حماس وإسرائيل حيث يحاول الجانبان التفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار من شأنه تحرير الرهائن الإسرائيليين في غزة والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، المتاخم لصحراء سيناء المصرية.
لكن بعض المدافعين قالوا أنه يجب على المسؤولين بذل المزيد من الجهد للاستفادة من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر كل سنة مالية، والتي تتكون بموجب القانون الأميركي من ثلاث شرائح: الأول، الذي يبلغ مجموعه 980 مليون دولار، لا يخضع لأي شروط ويمنح تلقائياً.
ويخضع مبلغ قدره 225 مليون دولار لمجموعة متنوعة من شروط حقوق الإنسان – تلك التي لم يصدق بلينكن على الوفاء بها ولكنه تنازل عنها لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
ولا يمكن الإفراج عن مبلغ ثالث قدره 95 مليون دولار إلا إذا وجد وزير الخارجية أن مصر أحرزت تقدماً في مجالات محددة للإفراج عن السجناء السياسيين، وتزويد المحتجزين بالإجراءات القانونية الواجبة و”منع مضايقة المواطنين الأميركيين وإساءة معاملتهم”. وقال المتحدث إن بلينكن صادق على التقدم في هذه المجالات.
وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن واشنطن اخذت بعين الاعتبار “الإفراج عن أكثر من 950 سجيناً سياسياً خلال العام الماضي، وإنهاء حظر السفر وتجميد الأصول الأجنبية الذي تم تنفيذه كجزء من حملة ترهيب ضد المنظمات غير الحكومية الأجنبية. كما تقدمت الحكومة المصرية بمشروع قانون لإصلاح الحبس الاحتياطي وإجراء تغييرات أخرى على قانون العقوبات القاسي”. مضيفة “في العام الماضي، رفض بلينكن التصديق على التقدم في تلك المجالات المحددة، وحجب 85 مليون دولار. في عامي 2022 و2021، حجب 130 مليون دولار من المساعدات، مشيراً إلى انتهاكات حقوق الإنسان”.