الرئيسية / متفرقات / من جابوتنسكي الذي يقتدي به نتنياهو ويحتفظ بسيفه؟

من جابوتنسكي الذي يقتدي به نتنياهو ويحتفظ بسيفه؟

من جابوتنسكي الذي يقتدي به نتنياهو ويحتفظ بسيفه؟

نتنياهو يلقي كلمة في مراسم تذكارية لجابوتنسكي في جبل هرتزل في القدس (الصحافة الإسرائيلية)
أحمد محمد فال
يكرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في خطاباته ذكر زئيف فلاديمير جابوتنسكي، ويقدمه على أنه ملهمه ومرشده الروحي، وأنه يحتفظ بسيفه ويقرأ أعماله بشكل دائم.
ومنذ سيطرة حزب الليكود على الحكومة، تخصص إسرائيل يوما في السنة لإحياء ذكراه، وأطلقت اسمه على عدد من المراكز والشوارع.
ويرى إرن كابلان رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية في جامعة سان فرانسيسكو في بحث نشره بعنوان “لمحة عن الأيديولوجية التي توجه نتنياهو”، أن الحرب الإسرائيلية المميتة الحالية التي تحولت إلى كارثة إنسانية على الفلسطينيين في غزة تعكس أيديولوجية تُعرف باسم “الجدار الحديدي” أطلقها جابوتنسكي في عشرينيات القرن الماضي، وشكلت الملهم الأساسي لنتنياهو طيلة مسيرته في الحكم على مدى عقدين من الزمن.
أما الكاتب الأميركي المختص في الشؤون الدولية زاك بوشامب فيرى في مقال نشره بعنوان “الأفكار التي تحدد شخصية بنيامين نتنياهو” أن مواقف رئيس الوزراء المتشددة، التي تقوده أحيانا إلى خلافات مع أقرب حلفائه مثل الأميركيين، سببها انتماؤه إلى التيار الصهيوني الأقدم والأكثر تشددا الذي نشأ على يد جابوتنسكي.
ويضيف الكاتب أن جابوتنسكي الذي ولد في أوديسا بأوكرانيا الحالية (روسيا آنذاك) عام 1880، أنتج رؤية فكرية تمخضت فولدت في نهاية المطاف حزب الليكود والسياسات المتشددة التي ينتهجها حتى الآن.
ويتفق الدارسون على أن سياسات نتنياهو التي لا تصغي لأي معترض ولو كان حليفا، وإيمانه الكامل بالضغط العسكري والسحق والتدمير وسيلة وحيدة لتحقيق الأمن لإسرائيل، هي تجسيد حرفي لأفكار مرجعه الصهيوني زئيف جابوتنسكي.
فقد كتب جابوتنسكي عام 1923 “الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوافق بموجبها العرب على دولة يهودية في فلسطين هي القوة التي تسحقهم وتذعنهم”، معتبرا -في تماه تام مع مواقف نتنياهو الحالية- أن “الوسيلة الوحيدة للوصول إلى اتفاق مع الأعداء العرب في المستقبل هي التخلي عن كل فكرة تسعى إلى الوصول إلى اتفاق معهم في الوقت الحالي”.
جابوتنسكي ولد في أوديسا بأوكرانيا الحالية (روسيا آنذاك) عام 1880 (غيتي)
نتنياهو.. نسل المنظمات الإرهابية
وفي مقال نشر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعنوان “عندما أطلق أينشتاين على أولئك الذين يحكمون إسرائيل منذ 44 عامًا لقب الفاشيين”، يؤكد الباحث السياسي اليوناني يورغوس ميترالياس أن ما يفعله اليوم حكام إسرائيل ليس نتاجا للارتجال ولا اختراعا وليد اللحظة.
فنتنياهو الذي حطم الرقم القياسي في رئاسة الليكود وإسرائيل -حسب ميترالياس- هو نسل حقيقي للرحم “الفاشي” الذي أنجب مناحيم بيغن وإسحاق شامير وغيرهما من اليمينيين المتطرفين، بل إن لديه علاقة مباشرة وحتى عائلية مع الأجنحة الفاشية الأكثر تطرفًا، التي ألهمها وأنشأها وقادها جابوتنسكي قبل قرن من الزمان.
ويوضح ميترالياس أن قادة الليكود بأفعالهم الشنيعة اليوم لا يأتون بشيء جديد، فهذا ما كانت تُبَشَّر به المنظمات التي نشؤوا فيها والتي ما زالوا يفتخرون بها، وهي المنظمات الإرهابية والفاشية (بيتار وإرغون وشتيرن).

ويضيف أن هناك فرقا مهما بين الأمس واليوم؛ ففي ذلك الوقت كان جابوتنسكي وأهيمير وبيغن وشامير سيئي السمعة، وكان السياسيون في العالم يتجنبون صحبتهم.
أما اليوم، يقول ميترالياس، فإن الوضع مختلف تماما، إذ تحول “الفاشيون” و”الإرهابيون” سيئو السمعة في عام 1948 ليس فقط إلى حلفاء مقبولين تماما، بل إلى شركاء إستراتيجيين متميزين يفرضون خياراتهم الاستبدادية على أغلب الحكومات والبلدان الغربية.
ومما عزز إعجاب نتنياهو بجابوتنسكي وفكره أن أباه المؤرخ اليهودي بن صهيون نتنياهو كان جابوتنسكيًّا أيضا، بل كان أحد نواب جابوتنسكي الشخصيين.
ويرى الباحث المجري المختص في التاريخ اليهودي لازلو بيرنات فيسبريمي أن نتنياهو باعتباره أيضا ابن مؤرخ متخصص في تاريخ يهود إسبانيا، يؤمن بأن التاريخ اليهودي عبارة عن دورة متكررة من محاولات تدمير اليهود من الرومان إلى محاكم التفتيش الإسبانية، إلى النازيين، إلى العالم العربي.
علماني يستغل المتشددين
ويشير فيسبريمي في دراسة بعنوان “جابوتنسكي المنظر الفكري لسياسات الليكود” إلى أن من المفارقة أن نتنياهو يستغل اليمين الديني الذي أصبح مهيمنا في إسرائيل لتقوية حكمه واستمراره في السلطة، رغم أن الخلفية الفكرية لحزب الليكود صهيونية علمانية يمينية تعرف باسم “الصهيونية التصحيحية” أو التنقيحية، التي تأسست عام 1925 على يد اليهودي الروسي جابوتنسكي.
لا يعني مصطلح “التصحيحية” هنا ما تستحضره الكلمة في الذهن من مراجعة للأفكار والميل نحو المرونة والاعتدال، بل إنها -كما يوضح الدارسون- تدل على صهيونية أكثر تشددا.
فبحسب فيسبريمي، فإن المقصود بالتصحيحية هنا هو انتهاج خط أكثر تشددا يوسع دائرة الخصوم والأعداء لتشمل البريطانيين الذين ساعدوا اليهود أصلا على خلق كيان لهم في فلسطين، إذ إن الصهيونية التصحيحية ترفض أن البريطانيين يقبلون أن يكون هناك نصيب للعرب سكان الأرض الأصليين في فلسطين.
فقد اعتبر أصحاب هذه الحركة -التي ولد الليكود من رحمها- بريطانيا عدوا لهم واستهدفوها بالانتقاد، بل إن العصابات المسلحة -التي شكلها قادة تلك الحركة خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين لطرد الفلسطينيين من ديارهم- وسًعت من هجماتها لتشمل قوات الاحتلال البريطاني وحتى بعض قادة الصهيونية من الطرف الآخر الذي قبل بتقسيم فلسطين، مثل حاييم أرلوزوروف الذي قتل عام 1933 واتهم بعض أتباع جابوتنسكي باغتياله.

وكان جابوتنسكي يرى أنه يجب أن تمتد الدولة اليهودية إلى حدودها التوراتية، وهو صاحب المقولة “لنهرِ الأردن ضفتان، هذه لنا، وتلك أيضا”.

جابوتنسكي ونظرية الجدار الحديدي
ويرى الكاتب الأميركي بوشامب أن رؤية جابوتنسكي التي ولدت من تجربة المذابح الروسية تستند إلى فرضية مفادها أن الحياة اليهودية محفوفة بالمخاطر بطبيعتها.
ولذا يعتبر نتنياهو أن قوة إسرائيل نابعة من فكرة لجابوتنسكي تسمى “الجدار الحديدي”، ذلك الجدار الذي يعني قوة عسكرية ساحقة تضمن البقاء للدولة اليهودية وتجبر العرب على قبولها.
ويقول أستاذ الدراسات الإسرائيلية كابلان إن جابوتنسكي وبّخ الصهاينة الذين رأوا إمكانية التعايش مع العرب في فلسطين، فبالنسبة له فإن أي سكان أصليين عبر التاريخ لن يقبلوا أبدًا إحلال شعب آخر في وطنهم، وبالتالي لا بد من محاربتهم وسحقهم من أجل السيطرة على الأرض.
ويعتبر الباحثون أن تطبيق نتنياهو لرؤية جابوتنسكي واضح للغاية، سواء من ناحية تكثيف الاستيطان ورفض التنازل عن أي شبر من الأراضي في الضفة الغربية التي يراها أرضا يهودية، أو من خلال سياسة التدمير والقوة الساحقة في قطاع غزة.

لا تسوية سلمية مع العرب
يرى كابلان أن نتنياهو عمل على قتل اتفاقيات أوسلو، واعتبر عملية السلام مع العرب نوعا من التسوية السلمية التي حذر منها جابوتنسكي لأنها تعني إظهارا للضعف الذي سيؤدي باليهود إلى الهلاك.
ويعتبر نتنياهو أن الحل الوحيد بالنسبة لجابوتنسكي هو دولة يهودية قوية ترفض أي تنازلات، وتحدد التهديدات التي يواجهها الشعب اليهودي وتتصدى لها باستعراض ساحق للقوة.
ويشير الباحث فيسبريمي إلى أن سياسة التطبيع مع الدول العربية التي تعززت في عهد نتنياهو وتجاوزت إقامة علاقات دبلوماسية إلى تعاون في مجالات مختلفة، إنما هي أيضا مستقاة من فكر جابوتنسكي المبني على تكوين قوة ساحقة لليهود تقضي على كل من يفكر في مواجهتهم، وتجبر العرب في نهاية المطاف على التخلي عن قادتهم الذين يتبنون نهج المقاومة، وتسليم القيادة لمن يسميها مجموعات معتدلة يمكن لليهود التوافق معها.
وحسب الباحث كابلان، فإن هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شكل فرصة لنتنياهو للإيمان أكثر بنظرية الجدار الحديدي لجابوتنسكي، حيث أطلق العنان للقوة الساحقة من خلال حرب هائلة ومدمرة على قطاع غزة، وقال مرارا وتكرارا إنها لن تتوقف إلا بالقضاء التام على حماس.
جابوتنسكي.. موسوليني اليهود
يؤكد فيسبريمي أن أتباع جابوتنسكي أنفسهم كانوا يصفونه بـ”موسوليني اليهود”، وأن فلاديمير وصف نفسه الفاشية بأنها “كيان يعمل وفقا لقيادة مركزية واحدة، في لحظة واحدة، ويتحول بفخر إلى آلة، نعم، آلة”.
وعلى هذا الأساس كان جابوتنسكي يشكل عصابة من مئات الشباب اليهود، يلبسهم زيا موحدا ويستعرضهم أمامه في موكب منتظم، حيث يبدون في خطواتهم وتحركاتهم وكأنهم آلة.
ويعتبر الكاتب اليوناني ميترالياس أنه من المفارقة أن جابوتنسكي وبدافع كراهيته للثورة الروسية تحالف مع قتلة اليهود مثل زعيم الحرب الأوكراني سيمون بيتليورا الذي نفذ جيشه حملات معادية لليهود.
وأكثر من ذلك، بحسب ميترالياس، تحالف جابوتنسكي مع زعيم الفاشية الإيطالي موسوليني الذي نقل عنه ميترالياس قوله عام 1935 موجها كلامه لديفيد براتو حاخام روما “إذا كنت تريد أن تنجح الصهيونية، فأنت بحاجة إلى دولة يهودية وعلم يهودي ولغة يهودية، والشخص الذي يصلح لذلك هو فاشيتك، جابوتنسكي”.
واعتبر ميترالياس أنه من المفارقة أيضا أن الحكومات الأوروبية والغربية الراهنة التي يقودها فاشيون يعرفون بعنصريتهم ومعاداتهم للسامية، هي من تساند نتنياهو وتدافع عنه وتتهم كل منتقد له بمعاداة السامية.
أينشتاين: إسرائيل يحكمها فاشيون
يشير الكاتب ميترالياس إلى أن نتنياهو وحكومته يبذلون اليوم قصارى جهدهم للتأكيد الكامل على ما لاحظه ألبرت أينشتاين بالفعل وندد به علنًا عام 1948 من أن “مناحيم بيغن وأصدقاءه في الليكود -الذين يُعد نتنياهو وريثهم الأيديولوجي- هم فاشيون عنصريون مجرمون وإرهابيون وسيقودون إسرائيل حتمًا إلى تدميرها النهائي”.
وأورد ميترالياس نص رسالة نشرها اليهودي أينشتاين في صحيفة نيويورك تايمز في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1948 احتجاجا على زيارة مناحيم بيغن لأميركا، اعتبر فيها أن حزب “هيروت” -الذي أنشأه بيغن والذي سيسمى لاحقا حزب الليكود- يشبه إلى حد كبير في تنظيمه وفلسفته السياسية الأحزاب النازية والفاشية، وقد تشكل من أتباع منظمة أرغون الإرهابية الشوفينية.
وأكد أينشتاين في رسالته أن أفعال بيغن وأصدقائه من مؤسسي الليكود في قرية دير ياسين العربية مثال صادم، ففي التاسع من أبريل/نيسان 1948 هاجمت العصابات الإرهابية التي يقودها بيغن ورجاله هذه القرية، فقتلت معظم سكانها (240 رجلا وامرأة وطفلاً)، وأبقت قليلا منهم على قيد الحياة لعرضهم أسرى في شوارع القدس.
ويخلص أينشتاين إلى أن مذبحة دير ياسين توضح لنا طبيعة قادة حزب الليكود ونهجهم، فقد عملوا داخل المجتمع اليهودي للترويج لمنهج سيئ يجمع بين القومية المتطرفة والتصوف الديني والتفوق العنصري.
وأوضح ألبرت أن العصابات المسلحة التي أنشأها بيغن وأصحابه لم يسلم أحد من عنفها لا العرب ولا البريطانيون ولا اليهود، بل إنها نشرت الإرهاب في المجتمع اليهودي، وتعرضت بالضرب والسطو وإطلاق النار لكل من يخالفها.
ويعتبر ميترالياس أن التحذيرات الدرامية الواردة في رسالة أينشتاين قد تم تأكيدها بالكامل على مدى العقود الماضية على يد مناحيم بيغن وإسحاق شامير وبنيامين نتنياهو.
ويورد ميترالياس في مقاله رسالة أخرى مقتضبة رد بها أينشتاين على طلب لدعم منظمات يهودية مشاركة في تلك المذبحة، جاء فيها “عندما تقع كارثة حقيقية ونهائية في فلسطين، فإن المسؤول الأول عنها سيكون البريطانيون، والمسؤول الثاني المنظمات الإرهابية التي تتشكل من بيننا، وأنا لست على استعداد لرؤية أي شخص مرتبط بهؤلاء الأشخاص المضللين والمجرمين”.
ويورد ميترالياس أن أينشتاين رفض عرضا برئاسة إسرائيل قدمه له رئيس وزرائها ديفيد بن غوريون في نوفمبر/تشرين الثاني 1952 لخلافة أول رئيس لإسرائيل حاييم وايزمان.
أينشتاين (يسار) رفض عرضا لرئاسة إسرائيل قدمه له رئيس وزرائها ديفيد بن غوريون عام 1952 (غيتي)
إسرائيل نحو التفكك.. ونتنياهو يبحث عن مصالحه
يخلص الكاتب اليوناني ميترالياس إلى أنه يبدو من الواضح أن أينشتاين كان على حق مرة أخرى، فأحفاد “المنظمات الإرهابية” لعام 1948 يقودون إسرائيل نحو “التدمير النهائي”.
ويضيف ميترالياس “قد تبدو إسرائيل اليوم أكثر قوة وغطرسة من أي وقت مضى، لكنها في الواقع تعيش أسوأ أزمة وجودية في تاريخها، فهي تتعفن وتتفكك من الداخل، وقد بدأ العد التنازلي واقتربت ساعة الحقيقة”.
ويعتبر بوشامب أن اصطحاب الخلفية الأيديولوجية لنتنياهو المتمثلة في نظرية القوة اليهودية الساحقة لجابوتنسكي قد يساعد في فهم الخلافات التي تحدث أحيانا بين نتنياهو والأميركيين.
ففي حين قد يظن البعض أن الحاجة الأساسية للحفاظ على قوة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد تجعل نتنياهو يتردد في إثارة أي عداوة مع الرؤساء الأميركيين، يقول بوشامب إنه لا بد أن نستحضر أن الأولوية بالنسبة لنتنياهو وانطلاقا من أيديولوجيته هي التعامل بمبدأ القوة الساحقة مع كل التهديدات.
لكن بوشامب يرى أن هذا لا يعني أنه من المستحيل دفع نتنياهو نحو التنازل، فالخلفية الأيديولوجية ليست العامل المتحكم الوحيد فيه، بل إن مصالحه السياسية الشخصية توجهه أيضا، بل ربما أكثر من الأيديولوجية.
المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

يوم دعا الزعيم الخالد كمال جنبلاط لتسليح الجنوبيين

  قبيل عدوان الخامس من حزيران ١٩٦٧ بأربعة أيام، أصدر الزعيم كمال جنبلاط رئيس الحزب …

الاشترك بخدمة الخبر العاجل